المشهد السياسي بعد انتخابات 23 نوفمبر/موسى ولد حامد |
ورقة قدمها الإعلامي الأستاذ موسى ولد حامد مدير مجموعة بلادي الصحفية لندوة نظمها المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية عن "الانتخابات الموريتانية" الماضية بتاريخ 06/01/2014. *** قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن المشهد السياسي أو على الأصح الخريطة السياسية التي أنتجتها الانتخابات التشريعية والبلدية الأخيرة (23 نوفمبر و21 ديسبمر ) .فلا الجمعية الوطنية تم تشكيل مكتبها ولا مجلس الشيوخ قد تجدد ثلثاه منتهيو الصلاحية" وحتى المجالس البلدية فإن تاريخ تنصيبها لما يحدد بعد. ثم إن وجود برلمان في حالة انعقاد في دورة عادية لم تقدم لها الحكومة أي قانون حتى قانون الميزانية الذي يلزم البت فيه قبل نهاية السنة يزيد الأمر ارتباكا و المشهد غموضا. لذا فإن الحديث عن الخريطة السياسية المنتظرة سيقتصر على تقديم القوي السياسية المشاركة والمعارضة ومحاولة استشراق التحالفات التي قد تتجاوز التخندق الذي كان قائما ما بين قطبي اللعبة السياسية قبل الاقتراع خاصة أن الحملة الرئاسية المقبلة قد انطلقت بخطي متسارعة قد تغير الطرح السياسي الحالي بشكل جذري. أضف إلى ذلك معركة المجموعة الحضرية في نواكشوط التي لم ينجح الاتحاد من اجل الجمهورية ،حزب الدولة ، في حسمها بالرغم من انه حصل على أغلبية في خمسة مجالس بلدية في العاصمة. وإذا كان النظام مصر على الانتصار في هذه المعركة فإن ذلك قد يترتب عليه توزيع جديد للأوراق السياسية .أما في حال فشل تلك المساعي الرسمية فإن الأمر سيتحول إلى انتصار مدوي للمعارضة المشاركة هي في أشد الحاجة إليه. وعلى كل حال فإن الخريطة السياسية التي افرزها الاقتراع الأخير لا تختلف كثيرا عن ما ألفناه في بلادنا.
حزب رسمي مهيمن تدور في فلكه تشكيلات صغيرة تصفق لرئيس البلد، تأتمر بأمره وتسبح بحمده بغية الاستفادة من الكعكة التي توزع حسب القرب أوالبعد من رأس الهرم . نلاحظ بأن حزب الاتحاد من اجل الجمهورية حصل على اكثر من 80% على مستوي البلديات وأكثر من 50% من مجموع نواب الجمعية الوطنية مما يخول له نظريا تشكيل الحكومة دون اللجوء إلى تحالفات خارجية . هذه الحصيلة يختلف أهل السلطة في قراءتها : قيادة حزب الاتحاد تعتبر بأن النتائج التي سجلها الحزب تمثل انتصارا كبيرا في ظل الظروف التي اكتنفت الانتخابات والمتمثلة أساسا في قوة الصراع ووقوف بعض رموز الدولة ضد الحزب .
أما الطرف المناوئ لقيادة الاتحاد فإنه يري بأن نتائج الحزب هزيلة وان ذلك يعود إلى عملية اختيار مرشحيه من طرفالإدارة المركزية التي تتحمل إذن ،في نظرهم، ، كامل المسؤولية عن هذا الاخفاق . بقي ان نعرف ما هو موقف رئيس الدولة من هذا الصراع وما هو تقويمه للموقف . الجواب على هذه التساؤلات سيستشف من خلال التشكلة الحكومية المقبلة وبعض التعيينات في الوظائف العليا للدولة. إلى جانب حزب الاتحاد من اجل الجمهورية يوجد ما يعرف بأحزاب الأغلبية : كوكبة من التشكيلات الحزبية المتعددة تعرف عادة برؤسائها أو رئيساتها ، فهي أحزاب أشخاص لا احزاب افكار. في عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز ظهر إلى جانب أحزاب الشخصيات المنفردة أحزاب جديدة أصحابها غير معروفين من طرف الرأي العام إلا أنهم يتشدقون بمبادئ عامة كدور الشباب وانتهاء تهمشيه وضرورة تجديد الطبقة السياسية. هذه التشكيلات الأخيرة أنتجتها(( مخابر الحركة التصحيحية)) التي قام بها عزيز وأفضت إلى انقلاب 6 أغسطس ضد الرئيس المنتخب سيد محمد بن الشيخ عبد الله .. هذه الأحزاب المتناثرة، شخصية كانت أو رسمية ،حصدت بعض البلديات وأكثر من ثلث نواب البرلمان. واقع لا يمكن تجاهله بالرغم من أنه لا تمكن قراءته من الناحية السياسية المجردة. وإذا ما حاولنا تصنيف هذه الظاهرة فإنها تشبث مستقلي المرحلة الانتقالية الأولي (2005-2007) الذين كانوا الكتيبة البرلمانية التي تم توظيفها في الاطاحة بولد الشيخ عبد الله. ولعل هذا هو خطر وجود هذا النوع من البرلمانيين على الساحة السياسية . المهم الآن أن هذه الأحزاب تنتمي إلى مساندة الرئيس (أي رئيس) وتدعم أغلبيته في وجه خصومه الحاضرين : المعارضة بجزيئها( المشاركة و المقاطعة ).
فيما يخص المعارضة المشاركة فإن ثلاثة أحزاب منها حصلت على تمثيل في البرلمان : تواصل، الوئام، التحالف الشعبي التقدمي.هذه التشكيلات لا تتفق في تقويم ما حصل أو على الأقل في مدي رضاها عن النتائج التي حصدتها. بالنسبة لحزب تواصل ذي الميول الإسلامية والذي يشارك لأول مرة كحزب معترف به من طرف السلطة ، فإنه، بالرغم من عدم رضاه عن الظروف الفنية والسياسية التي اكتنفت تنظيم الاقتراع، يعيش نشوة الانتصار بالنتائج المهمة التي سجلها : 16 نائب و18 بلدية نتائج ستمكن هذا الحزب من الظفر بمؤسسة المعاضة والظهور كمعارض رئيسي للنظام خاصة ان هذا الأخير لن يتردد في استغلال انتمائهم الإسلامي من اجل تخويف الرأي العام الدولي من خطر انتشار الإرهاب في موريتانيا فمهما كان تعقل قيادة تواصل وحكمتها في تجنبها لكل ما يمكن ان يثير استهداف تشكلتها السياسية فإنه من شبه المؤكد ان النظام لن يمد لها يد التعاون أو التفاهم مثلما فعل ذلك غداة الانتخابات الرئاسية سنة 2009. نتيجة لهذا الاعتبار فإن تواصل سيظل في المعارضة الدستورية للنظام وحده أو مع شركاء من المعارضة المشاركة لا تلك المقاطعة التي تحولت علاقته معها إلى ما يمكن ان يعتبر بأنه بداية جفاء . الحزب المعارض الثاني من حيث عدد النواب في البرلمان المنتخب هو حزب الوئام الذي لديه عشرة نواب في الجمعية الوطنية. وهذه التشكيلة يترأسها بيجل ولد هميد وتضم زمرة من كبار معاوني الرئيس الاسبق معاوية ولد الطايع الذين انقطعت بهم السبل السياسية إلى أن وجودا انفسهم مرغمين علي النضال في صفوف المعارضة التي لم تشكل يوما خيارا ايديولوجيا لهم. لذلك لا يراهن الكثير من المراقبين على بقاء طويل لهم في صفوفها . هذا التموقع المتنظر قد يتحقق من خلال تشكلة الحكومة القادمة أو في التهيئة للانتخابات الرئاسية . أما الحزب المعارض الثالث الذي طبل للحوار مع النظام، حزب التحالف الشعبي التقدمي فهو ليس راض عن الظروف التي اكتنفت تنظيم الاقتراع ولا النتائج التي حصل عليها: سبعة نواب. لذلك يعتبره المراقبون اكبر خاسر في هذه العملية خاصة ان رئيسه مسعود ولد بلخير توحي كل المؤشرات بأنه سيفقد –ما عدى طارئ جلل –الغنيمة ( رئاسة الجمعية الوطنية ) التي ظفر بها 2007 مقابل مؤازرته سيد بن الشيخ عبد الله خلال الدور الثاني لرئاسيات تلك السنة. ولعل اكثر النتائج وضوحا للاقتراع النيابي والبلدي هو انهيار شعبية الرئيس مسعود ولد بلخير خاصة في المدن الكبري كالعاصمة الاقتصادية .فهل هي بداية نهاية هذه الشخصية التي ملأت الدنيا في موريتانيا وشغلت الناس اكثر من عقدين من الزمن ؟ قبل ان نتجاوز إلى المحور الثاني لا يمكن إلا أن نلاحظ بأن نسبة حضور المعارضة في الجمعية الوطنية بالرغم من زيادة عدد نواب المعارضة (34 نائبا ) قد انخفضت إلى أقل من الربع من نواب الجمعية.
أما فيما يخص المحور ا لثاني من هذا العرض: "هل أفرزت الانتخابات مناخا ملائما لحل الأزمة السياسية" فإنه يصعب الإجابة علي هذا السؤال في الطرف الحالي بالرغم من ان المؤشرات الأولية وطبيعة النظام لا توحي بتغيير كبير في سلوكه وهو العامل المهيمن والأهم في كل ما يحدث ولو إلى اشعار جديد . على هذا الأساس فإن تصريحات الرئيس محمد بن عبد العزيز بعد ادلائه بصوته في الدور الثاني تنم عن رضي كبير عن العملية الانتخابية بشقيها الفني والسياسي، خاصة ارتفاع نسبة المشاركة . هذه القراءة وإن كانت أولية لا تختلف في شيء عن ما عهدناه لدي السلطة القائمة وإن كان البعض في صفوف مسانديه يتوقع –إن لم يكن يحلم بتغيير واسع في معاوني الرئيس عزيز. إن لم حدث ذلك فأنه لن يتعدى في اغلب الظن توزيع الكعكة بين المقربين الجدد والقدامى. خاصة ان الرئيس لن يجد عناء في تشكيل أغلبية مريحة من نواب حزبه مباشرة وفتاة الأغلبية المتبعثرة التي لا تملك برنامجا غير التصفيق للسلطة. اكبر انفتاح يمكن انتظاره الآن أن ينفتح النظام على بعض احزاب المعارضة المحاورة من اجل محاصرة حزب تواصل ومنسقية المعارضة أو الحصول على المجموعة الحضرية. من المستبعد إذا أن يغير النظام اسلوبه في الحكم واستبداله بطريقة جديدة تعمل على جلب الآخرين إلي الانخراط في اللعبة السياسية والمشاركة في الانتخابات الرئاسية المحدقة . أما بالنسبة للمعارضة المقاطعة أي منسقية المعارضة فإن غيابها عن الانتخابات التشريعية والبلدية لم يؤت اكله، على الاقل في الوقت الراهن. وفي انتظار تقويمها لذلك الموقف فإن الكثير من المراقبين لا يراهن على جنيها فؤائد كبيرة على المستوي السياسي، خاصة انها قد تكون مرغمة على المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي بدأت قوي قوية معارضة للرئيس في التفكير بالالتفاف حول شخصية واحدة من اجل الايقاع بولد عبد العزيز. هذه القوي تعتمد على ما برز من ضعف للنظام خلال الانتخابات التشريعية والبلدية الأخيرة وقد تنجح في سحب البساط من تحت أقدام المعارضين القدامى . ومهما يكن من أمر فإن النظام ومعارضته، إذا ما استمرا في ما هم عليه من قطيعة وتنافر فإن اللعبة قد تخرج من بين أيديهم لمصلحة جهة أخرى كما علمنا تاريخنا السياسي الذي يتم فيه التناوب على السلطة بالسلاح لا بالانتخابات. |