تنظيم الانتخابات الرئاسية.. والمسارات المحتملة |
(ورقة تمهيدية) *إعداد: الباحث إخليهن ولد الرجل مضت سنوات من التجاذب السياسي بين أطراف المعارضة والنظام (منذ انقلاب 2008 وحتى اللحظة الراهنة)، ورغم ما تخللها من تهدئة ومساع للمصالحة، إلا أن ذلك كله لم ينجح في حل الأزمة السياسية التي عانى منها البلد طيلة هذه السنين، بل إن تطورات الأحداث (انتهاء مأمورية البرلمان ومجلس الشيوخ والمجالس البلدية دون تجديدها، شعار الرحيل الذي طرحته المعارضة، مقاطعة المنسقية للانتخابات البرلمانية والبلدية) عمقت الأزمة، وأفقدت الثقة بين الأطراف.
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية تداعت الأطراف السياسية للحوار من جديد، وكانت صعوبة البداية تكمن في الاتفاق على جدول الأعمال، وبعد شد وجذب توصل الفرقاء السياسيون إلى تحديد "جدول الأعمال" مساء الخميس 10/04/2014، إلا أن عقبة أخرى وقفت في وجه الحوار من جديد، وهي تحديد "مدة الفترة الزمنية المخصصة للحوار"، فقد اقترح ممثلو "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة" أن تكون مدة الحوار من بدء انطلاقته (15 أبريل 2014) وحتى فاتح مايو، بينما اقترح ممثلو "المعاهدة من أجل التناوب" أن لا تتجاوز مدة الحوار العشرين من شهر أبريل، وهو نفس المقترح الذي تقدم به ممثلو الأغلبية في ذلك الوقت، قبل أن يقبلوا بعد ذلك (20 أبريل 2014) بتمديده المدة 12 يوما بعد اللقاء الذي أجراه رئيس "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة" سيد أحمد ولد بابا مين مع الوزير الأول مولاي ولد محمد الأغظف يوم الأربعاء 16 /04 / 2014 ، ومع أن ممثلي "المنتدى" قبلوا بمواصلة الحوار، إلا أن المرسوم الرئاسي الذي أصدره الرئيس محمد ولد عبد العزيز مساء الأحد 20/04/2014 باستدعاء هيئة الناخبين من أجل انتخاب رئيس الجمهورية، كاد يقوض الحوار إن لم يكن قد قوضه بالفعل. وهو ما عبر عنه رئيس وفد أحزاب المعاهدة عبد السلام ولد حرمه بقوله "إن الحوار بين الأطراف السياسية دخل عنق الزجاجة"، وعبر عنه رئيس وفد "المنتدى" يحي ولد أحمد الوقف بأنهم " تفاجئوا من مرسوم دعوة الهيئة الناخبة في الوقت الذي توقفت فيه جلسات الحوار بسبب رفض النظام للاقتراحات المقدمة من طرف المنتدى".
إلا أن البيان الذي نشرته "المعاهدة" يوم أمس 28 أبريل 2014 الذي جاء فيه أن ولد عبد العزيز أبدى تجاوبه "مع مبادرة كتلة أحزاب المعاهدة لاستئناف الحوار المتعثر، وأكد استعداده لحل القضايا التي تعرقله" يعطي مؤشرا مغايرا للمؤشرات السابقة.
وفي ذات السياق أعلن المنتدى في نفس اليوم أنه سيمهل "الحكومة الموريتانية خمسة أيام لتقديم رؤية جديدة من شأنها انعاش الحوار المتعثر، قبل اتخاذ أي قرار بشأن الرئاسيات".
تصريحات.. وتصريحات مضادة من المفيد هنا قبل أن نتجاوز إلى قراءة الأحداث، والتنبؤ بتطوراتها ورسم المسارات المحتملة، أن نُذَكّر ببعض التصريحات التي وردت على ألسنة بعض قادة الأطراف السياسية المتحاورة قبل وأثناء الحوار.
ولعل أهم تلك التصريحات، ما قاله رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز أثناء زيارته لانواذيبو (07 أبريل 2014)، وأكد عليه وزير الاتصال والعلاقات مع البرلمان سيد محمد ولد محم في حديثه على قناة المرابطون "من أن موعد الانتخابات ثابت في وقته المحدد ولن يتم تأجيلها، وبأن النظام لن يقبل بحكومة توافقية".
وكان "المنتدى" قد اشترط للدخول في الانتخابات الرئاسية المقبلة "تشكيل حكومة توافقية ذات صلاحيات واسعة تحترم قوانين الجمهورية".
وقد جاء رد القيادي في المنتدى ورئيس حزب تواصل محمد جميل ولد منصور على تصريحات الرئيس ووزيره سريعا، حيث قال في حديث له في المهرجان الذي نظمه المنتدى مساء 9 أبريل 2014 بساحة ابن عباس: إن "المنتدى أمامه طريقان اثنان : طريق الحوار الجاد والمسؤول والذي لا توجد فيه خطوط حمراء ولا خطوط خضراء أو طريق النضال السلمي وتحريك الجماهير". كما قال القيادي في حزب إتحاد قوى التقدم وعضو المنتدى المصطفي ولد بدر الدين في حديث له على قناة المرابطون "إنهم لا يثقون في وعود ولد عبد العزيز، وأن تجربتهم معه دلت على أنه لا يفي بوعوده".
المسارات المحتملة ويبقى السؤال الأهم في المسألة هو: ما هي السيناريوهات المحتملة في موضوع تنظيم الانتخابات ومصير الحوار الجاري؟ والحقيقة أن الاجابة على هذا السؤال تضعنا أمام عدة مسارات محتملة، تختلف قوة وضعفا، ويمكن إجمالها فيما يلي:
المسار الأول: نجاح الحوار وتأجيل الانتخابات: ومن مدعمات هذا الاحتمال أن ذهاب النظام إلى الانتخابات بدون المنتدى سيكون له تأثيرات على سمعته الدولية والإقليمية، وسيعمق الأزمة السياسية في البلد، إضافة إلى أن المعارضة حريصة على تأجيل الانتخابات، من أجل ضمان فرصة تتيح للانتخابات أن تكون شفافة، وفي ظروف مقبولة من وجهة نظرها.
المسار الثاني: فشل الحوار مع تنظيم انتخابات يقاطعها المنتدى وبعض أطراف المعاهدة، ويجد هذا الاحتمال مدعماته في الأسلوب الذي جرى به الحوار، وفي النتيجة التي وصل إليها حتى الآن –رغم محاولات إنقاذه- كما يعتبر استدعاء الرئيس لهيئة الانتخابات مؤشرا قويا على أنه ماض في إجراء الانتخابات حتى ولو قاطعها المنتدى، وخصوصا أنه قد ضمن حتى الآن مشاركة ثلاث مرشحين سيخوضون معه السباق الرئاسي (مختار إبراهيما صار، بيرام ولد أعبيدي، مريم بنت ملاي إدريس)، وتدل مؤشرات قوية على أن ولد هميد وولد بوحبيني ربما يلتحقان بركب السباق الرئاسي.
من جانب آخر تؤشر الرسائل الأولية للمنتدى على عزمه مقاطعة الانتخابات القادمة إذا تمت دون القبول بالضمانات التي طرحها كشروط للشفافية، وقد فتح تصريح نسب لمسعود ولد بلخير بأنه لا يستطع المغامرة بالمشاركة في الانتخابات في حالة فشل الحوار الاحتمال واسعا أمام مقاطعة الطرف الأهم في المعاهدة لهذه الانتخابات، كما أن حزب الصواب الذي يعاني هذه الأيام من أزمة داخلية واتهام لقيادته بالفشل قد يضطر لمقاطعة انتخابات غير إجماعية.
وفي ذات السياق تأتي الوثيقة التي نشرت باسم "الرأي السياسي" ونسبت للقيادي البعثي البارز محمد يحظيه ولد ابريد الليل والتي ورد فيها أن "مجموعته غير مرتاحة للمظاهر والوضعية التي يسير فيها البلد، بل إن القلق على الوضع بلغ بهم حد التساؤل عن إمكانية بقاء النظام القائم؟".
المسار الثالث: هو فشل الحوار مع مشاركة بعض أطراف المعارضة، حيث تدل التجربة السياسية في البلد على أن المعارضة الموريتانية غير قادرة على اتخاذ موقف سياسي موحد، كما أن التشكيل الحالي للمنتدى يضم أطيافا سياسية غير متجانسة، ولا تنطلق من رؤية واحدة، وتتحدث بعض التسريبات عن أن بعض الأطراف داخل المنتدى تدفع باتجاه المشاركة.
أما المعاهدة، فالذي عهد منها خلال الفترة السابقة، والذي ظهر من مواقفها خلال "الحوار" الأخير يدل على أنها غير بعيدة من رؤية النظام وتحليله للمشهد السياسي، وأن الإصلاحات الفنية التي تطالب بها في موضوع الانتخابات من السهل على النظام تلبيتها مع المحافظة على مجمل قواعد اللعبة.
المسار الرابع: فشل الحوار مع مقاطعة الطيف المعارض بما فيه المعاهدة: ففي حال ما إذا مضى النظام في إجراء الانتخابات دون أدنى تنازل، ودون تقديم ضمانات على مستوى حياد الإدارة وشفافية الانتخابات كما فعل في انتخابات 23 نوفمبر، فإن ذلك قد يدفع المعارضة بما فيها المعاهدة لمقاطعة الانتخابات.
تلك سيناريوهات تطورات المشهد السياسي فيما يتعلق بمآلات الحوار وتنظيم الانتخابات الرئاسية، لم نستفض في شرح مدعمات ومؤشرات كل مسار، لأن هدف هذه الورقة أن تثير النقاش لا أن تقدم الخلاصات والرؤى المستقصية، حسبها أن تحفز الأذهان وتفتتح النقاش. |