موريتانيا وسياسة التوازن في ظل التنافس الجزائري المغربي المتزايد

ترجمة المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية

 

تتنافس الجزائر والمغرب بشكل متزايد على كسب ود موريتانيا. ويتابع المراقبون أي علامة قد تشير إلى تخلي موريتانيا عن موقفها المحايد. ويتجلى هذا التنافس في الدعاية بقدر ما يتجلى في الواقع، مع ما قد يترتب على ذلك من آثار مزعزعة للاستقرار.

بات التنافس الاقتصادي والدبلوماسي المحدد الرئيسي لعلاقات الجزائر والمغرب مع دول الساحل وغرب أفريقيا. ويشكل نزاع الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر المحرك الرئيسي لهذه العملية. شهدت السنوات الأخيرة تصعيداً عسكرياً مؤقتاً بين البوليساريو والمغرب، وسباقَ تسلحِ بين الجزائر والمغرب، وفي تطور لافت قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، ويرجع ذلك جزئياً إلى تطبيع الأخيرة علاقاتها مع إسرائيل. في غضون ذلك، حصل المغرب على دعم أمريكي وفرنسي لمطالبه بالسيادة على الصحراء الغربية، ونجح في تغيير مواقف العديد من الدول الأفريقية.

في هذا السياق، أصبحت موريتانيا محوراً للمنافسة الجيوسياسية بين المغرب والجزائر. تشترك موريتانيا في حدود مع الصحراء الغربية - التي احتلت جزءاً منها بين عامي 1975 و 1979 - واعترفت بجمهورية الصحراء التي تقودها البوليساريو منذ عام 1984، مع الحفاظ على ما وصفه الرؤساء الموريتانيون المتعاقبون بـ "الحياد الإيجابي" تجاه جارتيها في شمال أفريقيا. توفر موريتانيا طريق المغرب البري الوحيد إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، عبر الجزء الذي يسيطر عليه المغرب من الصحراء الغربية. كما شهدت صادرات المغرب إلى موريتانيا والسنغال نموًا متواصلًا منذ عام 2004، بعد الانتهاء من طريق معبد يربط بين مدينة نواذيبو الساحلية الشمالية الموريتانية، بالقرب من الحدود مع الصحراء الغربية، والعاصمة نواكشوط. كما أن موقع موريتانيا واستقرارها النسبي يجعلها طريق التجارة الأكثر مباشرة وأماناً للجزائر إلى غرب أفريقيا والمحيط الأطلسي.

 

كل الطرق تؤدي إلى نواكشوط

على مدى السنوات الخمس الماضية، عزز الانخراط الجزائري والمغربي في التنافس على موريتانيا التبادل التجاري مع الدولتين وأدى إلى سلسلة من الاجتماعات رفيعة المستوى. شهد عام 2024 أول زيارة لرئيس جزائري إلى موريتانيا منذ 37 عاماً، بالإضافة إلى اجتماع غير رسمي بين الرئيس الموريتاني وملك المغرب.

أصبح الربط الإقليمي، الذي أعاقته طويلاً قضية الصحراء الغربية، محوراً خاصاً للتنافس الجزائري المغربي. افتتحت الجزائر أول معبر حدودي لها مع موريتانيا في عام 2018. وبينما عزز ذلك التجارة، ظل الافتقار إلى طريق معبد عائقاً رئيسياً. تم الإعلان عن مشروع مشترك بتمويل جزائري لإنشاء طريق يربط بين تندوف في الجزائر والزويرات في موريتانيا في عام 2021، ولكن لم يلتق الرئيسان على الحدود لافتتاح المراكز الحدودية الجديدة وإطلاق أعمال بناء الطريق رسمياً إلا في أوائل عام 2024. ومباشرة بعد ذلك، أعلن الرئيس الجزائري عن إنشاء خمس مناطق تجارة حرة مع الدول المجاورة، بدءاً بموريتانيا.

 

خطط كبرى

يبدو أن الجزائر تحركت بدافع إعلان ملك المغرب في نوفمبر 2023 عن مبادرة الأطلسي الملكية. على الرغم من الشكوك الكبيرة حول جدواها، فقد أكدت هذه الخطة الطموحة رغبة المغرب في تعميق روابطه مع غرب أفريقيا. تقوم الفكرة الأساسية للمبادرة على بناء بنية تحتية للطرق والسكك الحديدية عبر منطقة الساحل لمنح الدول غير الساحلية في المنطقة منفذاً إلى المحيط الأطلسي عبر ميناء الداخلة في الصحراء الغربية - وبالتالي تعزيز اعترافها بمطالبة المغرب بالسيادة على الإقليم. رحبت تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو بالمبادرة، على الرغم من أن لديها بالفعل اتصالات بموانئ أقرب بكثير في البلدان المجاورة. تم الإعلان عن مبادرة الأطلسي في وقت تعطلت فيه هذه الطرق مؤقتاً، لاحقا تم رفع الحظر التجاري الذي فرضته المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في أعقاب الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر. ومع ذلك، بل الأهم من ذلك، أن موريتانيا، التي ستحتاج أي بنية تحتية من هذا القبيل إلى المرور عبر أراضيها، ظلت بعيدة عن هذه المبادرة.

سعى المغرب أيضاً إلى ربط مبادرة الأطلسي بمشروع أقدم وأكثر طموحاً لبناء خط أنابيب غاز على طول الساحل الغربي لإفريقيا من نيجيريا إلى المغرب، والربط بخط أنابيب قائم إلى أوروبا. هذا المخطط هو رد المغرب على خطة لإنشاء خط أنابيب عبر الصحراء الكبرى يربط نيجيريا بالجزائر، والتي طرحت لأول مرة في عام 2001 ولكنها لم تتحرك نحو التنفيذ قط. سيتضمن كلا مشروعي خطوط الأنابيب تكاليف باهظة، في حين أن الشكوك القاتلة حول الإمدادات النيجيرية والطلب الأوروبي تجعلها غير واقعية. حتى لو تمكن المشروع المغربي من تجاوز هذه العقبات، فإن المسار المقترح سيطرح مشاكل خطيرة أمام مشاركة موريتانيا. يريد المغرب أن يصل خط الأنابيب المقترح إلى البر في الداخلة، مما يؤكد مرة أخرى مدى ارتباط هذه المشاريع بمطالبه بالصحراء الغربية.

سعى المسؤولون المغاربة إلى التقليل من تحفظات موريتانيا، بل ذهبوا إلى اقتراح بأن موريتانيا "موافقة" على مبادرة الأطلسي. لكن من غير المرجح أن تميل موريتانيا إلى هذا المشروع، لأسباب متعددة. فهي تسعى ابتداء إلى تطوير موانئها الخاصة، وتوسيع ميناء الداخلة لتصبح مركزاً إقليمياً سيتعارض تماماً مع مصالح موريتانيا.

 

الحياد الإيجابي: ضرورة وفرصة

الأهم من ذلك، أن الطبقة الحاكمة الموريتانية متمسكة بشدة بمبدأ "الحياد الإيجابي" تجاه جارتيها في شمال أفريقيا. في حين أن هذا الموقف يمثل في الواقع عملاً صعباً لتحقيق التوازن، إلا أن هناك قناعة واسعة النطاق بأن التخلي عنه ستترتب عليه مخاطر لا تحصى. ويشير متحدثون في نواكشوط ونواذيبو إلى أهمية التجارة مع المغرب، وإلى إمكانية زعزعة الاستقرار من قبل الجزائر والبوليساريو.. كما يسلّطون الضوء على الروابط العائلية بين شمال موريتانيا ومخيمات اللاجئين في تندوف، وكذلك الجزء المغربي من الصحراء الغربية. وبالتالي، فإن الانحياز في قضية الصحراء الغربية سيستفز قطاعات سياسية مؤثرة من السكان. من هذا المنظور، فإن دعم أي مشروع يرتبط ارتباطاً مباشراً بمطالب المغرب بالسيادة على الصحراء الغربية أمر مستبعد تماماً. وللسبب نفسه، امتنعت موريتانيا عن جهود الجزائر لعزل المغرب، مثل مشروع الجزائر لاستبدال اتحاد المغرب العربي المتوقف بكتلة إقليمية جديدة تستبعد المغرب.

لكن تحقيق التوازن في العلاقات يجلب أيضاً فرصاً: تطوير البنية التحتية مثل الطريق القادم من الجزائر واتفاقية ربط شبكات الكهرباء الموقعة مع المغرب في أوائل عام 2025؛ وتحسين شروط التجارة؛ والتعاون العسكري الثنائي مع الدولتين. التحدي الذي يواجه موريتانيا هو الاستفادة من الفرص مع ضمان عدم تنفير أي من الشريكين من خلال تعاونها مع الآخر.

وتزداد هذه المهمة تعقيدًا لأن علاقات موريتانيا مع المغرب أكثر تطورًا وتنوعًا. فالقطاع الخاص المغربي، الأكثر ديناميكية من نظيره الجزائري، أكثر حضورًا في موريتانيا. ويميل الموريتانيون الميسورون إلى السفر للمغرب من أجل التعليم الجامعي أو السياحة، بدلًا من الجزائر. كما تربط طرق صوفية مثل التيجانية البلدين، وتدرّب المؤسسات الدينية المغربية مئات العلماء والدعاة من دول الساحل وغرب إفريقيا، بمن فيهم الموريتانيون.

يتمتع الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني بعلاقات وثيقة بشكل خاص مع الرئيس محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي يعتبر بدوره حليفاً قوياً لملك المغرب. ويقال إن بن زايد يضغط على الغزواني لصالح خطط المغرب. على نطاق أوسع، لدى كل من الجزائر والمغرب حلفاء داخل الطبقة السياسية الموريتانية. ومع ذلك، فإن مثل هذه المبادرات لا تتجاوز حسابات موريتانيا للمخاطر والفرص .

 

حرب الدعاية

في هذه الأثناء، يراقب جميع المعنيين - في جميع البلدان الثلاثة - التطورات بحثاً عن أي علامات تشير إلى أن موريتانيا قد تميل في نهاية المطاف إلى هذا الجانب أو ذاك. يقول مسؤولون موريتانيون إن تحقيق التوازن في العلاقات عمل شاق: حيث يخشى كل طرف من تحركات الآخر ويسعى باستمرار للحصول على تطمينات من نواكشوط. وتتابع الأوساط السياسية والإعلامية الموريتانية الوضع عن كثب، ووجهت بعض القوى المعارضة انتقادات للحكومة، متهمة إياها بتهديد حياد البلاد باتفاق ربط شبكة الكهرباء بالمغرب.

وتحاول كل من المغرب والجزائر التأثير في الرأي العام لإظهار أن موريتانيا تميل إلى صفها. وهنا، يتفوق المغرب من حيث التنظيم والفعالية. فغالبًا ما تُقابل الإعلانات المغربية بشأن التعاون مع موريتانيا بصمت دبلوماسي من الجانب الموريتاني، مثل ما حدث مؤخرًا في ما يتعلق بطريق ثانٍ مزعوم يربط الصحراء الغربية بموريتانيا، وتناقلته وسائل إعلام فرنسية. وتُروّج وسائل الإعلام المغربية لسردية أن موريتانيا تتحوّل إلى الحلف المغربي، عبر حديث عن محور ثلاثي يربط المغرب وموريتانيا والإمارات، وتقارير مفبركة على وسائل التواصل حول اجتماع سري بين قادة الدول الثلاث في الإمارات عام 2024. هذه المزاعم تثير قلق الجزائر بشدة، خاصة وسط اتهامات متزايدة بوجود مؤامرات إماراتية ضد الجزائر.

تستخدم وسائل الإعلام الجزائرية المتحالفة مع الحكومة تكتيكات مماثلة، وإن كانت على نطاق أضيق حتى الآن. على سبيل المثال، كانت هناك اقتراحات بأن موريتانيا قد تنضم قريباً إلى مشروع الجزائر لإنشاء كتلة إقليمية مغاربية جديدة تستبعد المغرب.

يبدو أن عمليات التأثير هذه مصممة لإثارة التوترات بين موريتانيا والبلد الآخر المعني. ولكن إذا نمت، فإنها قد تساهم في الاستقطاب في المجال العام الموريتاني نفسه، حيث يُشاع أن بعض وسائل الإعلام أقرب إلى أحد المنافسين أو الآخر. يجب على صانعي السياسات الأوروبيين توخي الحذر الشديد وتجنب الوقوع في المعلومات المضللة التي قد تؤدي بهم إلى تبني سياسات من شأنها تفاقم التوترات. في الوقت الحالي، وعلى الرغم من اشتداد الضغط، يبدو أن موريتانيا مصممة على مواصلة سياستها المتوازنة.

ـــــــــــــــــ

الدكتور فولفرام لاخر هو زميل أول في قسم أفريقيا والشرق الأوسط في مؤسسة العلوم والسياسة (SWP) ومدير مشروع الاتجاهات الكبرى في أفريقيا.

الدكتورة إيزابيل ويرنفيلز هي زميلة أولى في قسم أفريقيا والشرق الأوسط في مؤسسة العلوم والسياسة (SWP).

تم نشره في شهر ابريل على موقع Megatrends Afrik تحت العنوان: Mauritania’s Balancing Act amid Intensifying Algerian-Moroccan Rivalry