استفتاء 5 أغسطس وتأثيراته على المشهد السياسي |
بإعلان اللجنة المستقلة للانتخابات نجاح التعديلات الدستورية، ورغم تشكيك المعارضة المقاطعة وحديثها عن تزوير هذه النتائج، يكون المسار الذي أعلنه الرئيس محمد ولد عبد العزيز في الثالث من مايو 2016 قد تحقق على أرض الواقع، متجاوزا كل العقبات التي وقفت في طريقه بدء بموقف شيوخ الأغلبية الذين وقفوا في وجهه وأسقطوه في البرلمان، وانتهاء بالمعارضة القوية التي تكتلت ضده في أكبر تنسيقية في تاريخها.
ودون الدخول في جدل صحة هذه النتائج من عدمها، فقد أصبحت هذه النتائج واقعا دستوريا وسياسيا جديدا سيكون له بلا شك تأثيرات كبيرة على حاضر ومستقبل المشهد السياسي، وهو ما نحاول الوقوف معه في هذه العجالة 1- كيف سينعكس على صف الأغلبية مع أن الأغلبية الحالية لم تعدم خلافات ما بينها سواء في المواقع الحكومية أو الحزبية إلا أن أبرز خلافاتها ظهرت في محطتين تتفاوتان في القوة والعلاقة بالتعديلات الدستورية، لكن الناظم لكل هذه الخلافات يظل واحدا، وهو سعي قادة بارزين في الأغلبية إلى تبوئ المكانة الثانية بعد الرئيس وربما السعي لخلافته في حالة قراره عدم الترشح لمأمورية ثالثة. كانت المحطة الأولى عندما عُين الوزير الأول الحالي يحيى ولد حدمين في أغسطس 2014، ثم عين سلفه مولاي ولد محمد الأغظف في يناير 2015 أمينا عاما للرئاسة مع احتفاظه بملف الحوار مع المعارضة، وهو ما خلق حالة صراع بين الإثنين، دخل على خطها رئيس الحزب الحاكم سيدي محمد ولد محم حليفا للوزير الاول، ورئيس مجلس الشيوخ بدرجة أقل حليفا لولد محمد الأغظف بسبب الخلاف بينه وبين رئيس الحزب الحاكم. إلا أن الخلاف الحقيقي داخل الأغلبية كان في المحطة الثانية أي عند الإعلان عن هذه التعديلات، فمباشرة بعد خطاب الرئيس الذي تحدث فيه عن هذه التعديلات بدأ أعضاء مجلس الشيوخ من الأغلبية في التعبير عن خلافهم مع هذا الطرح. وكما هو معروف فقد بدأ ذلك الخلاف أولا مع الوزراء وقادة الحزب الحاكم الذين تحدثوا عن عدم أهمية مجلس الشيوخ لكنه سرعان ما تكشف في لحظة فارقة في رفض المجلس للتعديلات في شهر مارس 2017 ثم تطور لاحقا إلى تشكيل لجان للتحقيق ورفض لميزانية 2017 المعدلة المتضمنة تمويل الاستفتاء. وفي أثناء هذا الخلاف كان لافتا إقالة الرئيس للأمين العام للرئاسة ولد محمد الأغظف الذي كان يشكل أحد أقطاب صراع الأغلبية بعد ما شاع أنه تغيب عن جولة الوزير الأول ولد حدمين في المناطق الشرقية خلال شهر مايو الماضي، بسبب رفضه الانضواء تحت لواء خصمه، وترافق مع ذلك شائعات تتحدث عن عدم حماس ولد محمد الأغظف لهذه التعديلات وهو ما تبدد جزئيا بعد ظهوره في محطات من جولة الرئيس في الحملة الانتخابية الآن وقد استطاع الرئيس والجناح المنحاز لموقفه تمرير التعديلات –والتي تعني التخلص من الجناح المناؤي لها فإن التساؤل يطرح عن تأثير ذلك على جناحي الأغلبية: المغاضبين الذين يمثلهم الشيوخ، والداعمين الذين يمثلهم الوزير الأول ورئيس الحزب. أما تأثيره على المغاضبين فيرد التساؤل عن الموقع والموقف الذي سيتمسكون به بعد إلغاء مجلسهم؟ هل سيبقون متماسكين أم ستتشتت مواقفهم بعد زوال ما كان يوحدهم؟ وفي حالة بقائهم كتلة موحدة هل سيتجهون إلى الانضمام للمعارضة التقليدية أم سيحافظون على استقلاليتهم؟ ومع أن الإجابة على هذه الأسئلة سابقة لأوانه إلا أن الراجح أن النواة الصلبة في هذه المجموعة وهي المسماة بلجنة الأزمة ستواصل تماسكها وموقفها المعارض نظرا لحجم القطيعة بينها وبين النظام، بل يمكن أن تكون جزء من حلف المعارضة الخارجية الذي يقوده رجل الأعمال ولد بوعماتو الذي يعد حاليا من أقوى الأطراف خصومة مع الرئيس وحكومته.
أما تأثيره على الجناح الداعم فرغم الانتصار الذي يحققه تمرير التعديلات إلا أن التباينات القوية داخل هذا الفريق ومساعي كل طرف فيه لترجمة هذا النصر لصالحه يبرر التساؤل: هل سينعكس غياب "الخصم" الداخلي السابق في شكل خصومات جديدة بين هذا الفريق وهو أمر تؤشر عليه التقارير الإعلامية التي بدأت تتحدث عن إمكانية إعادة ترتيب البيت الداخلي، وهي تقارير تكون عادة موجهة من قبل هذه الأطراف.
2- كيف سينعكس على الصف المعارض شكل طرح التعديلات ورفض الحكومة لحوار بمعايير المعارضة المنضوية فرصة لهذه الأخيرة للملمة شتاتها الذي صنعه خلافاتها السابقة منذ تشتت الحلف المعروفة بمنسقية المعارضة الديمقراطية بسبب مشاركة حزب تواصل منفردا، في انتخابات نوفمبر 2013 البرلمانية والبلدية، ثم خروج التكتل من المنتدى، منذ ديسمبر 2015 بسبب اتصالات أولية أجرتها بعض أطراف المنتدى مع النظام. وهكذا ولد من رحم رفض التعديلات الدستورية كيان جامع لأطياف واسعة من المعارضة لم يقتصر على الأحزاب والتنسيقيات التقليدية وإنما شارك فيه كل من حركة إيرا وحزب "القوى التقدمية للتغيير" المنبثق من حركة افلام، وقد أصبح هذا الكيان يعرف بمجموعة الثمانية (G8) والآن وقد وقع تمرير هذه التعديلات، التي كان رفضها الدافع الأبرز وراء هذا التحالف، فإن تأثيرات ذلك يمكن أن تأتي في اتجاهين: - سيناريو مزيد من التحالف تحت يافطة حماية الدستور ومواده المحصنة، وسيعزز هذا الاتجاه احتمالان: أولهما إذا تبنت الأطراف المشكلة لهذا الحلف رؤية ثورية ترفض الاعتراف بنتائج هذا الاستفتاء بناء على ما تقول إنه عدم شرعية الطريق التي سلكها، والتزوير الذي ترى أنه وقع في هذا الاقتراع، ومع أن هذا الأمر مستبعد نتيجة لأن الأحزاب المنضوية في هذا التحالف عرف عنها عدم تبني المقاربات الثورية والعمل من داخل المنظومة القانوينة بغض النظر عن لملاحظة عليها، مع هذا الاستبعاد فيبقى الاحتمال مطروحا بسبب تداعيات الأزمة السياسية المتعددة الأطراف.
أما الاحتمال الثاني الذي يقوي هذا الاتجاه فهو سعي النظام لتعديلات دستورية جديدة كما ورد التلميح به على لسان أكثر من فاعل حكومي بدء بالرئيس وانتهاء برئيس الحزب الحكام، وفي هذه الحالة من المؤكد أن هذا التحالف سيبقى قائما طالما ظلت فكرة تعديل جديد في الدستور قائمة.
- سيناريو توقف هذا التحالف المؤقت: نظرا لفجوة المواقف بين الأطراف المشكلة له، التي تبدأ من الخلاف في الاستراتيجيات إلى الخلاف في الموقف من تفاصيل المشهد السياسي، إلى حد أنه يمكن القول إن هذه الأطراف لا يجمعها إلا رفض التعديلات، فحتى الموقف من هذه التعديلات بعد الاستفتاء يمكن أن يكون مثار خلاف بين هذه الأطراف التي عرف عن بعضها نهج ثوري سيحملها على رفض الاعتراف بهذه النتائج، على عكس أطراف أخرى تعتمد استراتجية العمل وفق المنظومة القانونية.
وفضلا عن الموقف من التعديلات بعد إقرارها في الاستفتاء فثمت أمور أخرى قد تسبب بتفكك هذه التحالف –الذي تجدر الإشارة إلى أنه لحد الآن لم يأخذ هيكلة رسمية ولا اسما محددا- مثل ما إذا دعا النظام إلى حوار جديد –وكل التصدع الذي عرفته منسقيات المعارضة في السابق كان بسبب خلافها في التعاطي مع دعوات الحوار- وكذلك موسم الانتخابات الذي ستعرفه السنة القادمة (انتخابات المجالس الجهوية التي أقرتها التعديلات، والانتخابات البلدية والبرلمانية المقررة في نوفمبر 2018) فمن المعتاد في المواسم الانتخابية أن تنشغل الأحزاب عند اقتراب الانتخابات بالتحضير لها والمشاركة فيها.
3- سؤال التأثير على التمديد لا يعبر الإصرار الذي يبديه الرئيس وأغلبيته على تمرير هذه التعديلات الدستورية عن مصلحة سياسية ولا إجابة على بعض الإشكالات التي تواجهه، لذلك يبقى من الوارد السؤال عن ماذا بعد هذه التعديلات وعن علاقته بالمأمورية الثالثة وتحديدا: هل سيسعى الرئيس إلى تعديل دستوري جديد يقتحم به عقبة المواد المحصنة التي تمنع الزيادة على ماموريتين؟ إن الإجابة التي بدأ عدد من رموز الأغلبية في طرحها تلميحا إلى "بقاء النظام" والتمسك بولد عبد العزيز تشير في هذا الصدد، لكن الأكثر دلالة هو التعبير الذي استخدمه الرئيس نفسه في خطاباته خلال الحملة الانتخابية للتعديلات الدستورية حين قال إنه الدستور يحتاج إلى تعديلات أخرى. ومع ذلك، وفي ظل الصعوبات السياسية والقانونية دون إجراء هذه التعديلات، يبقى إجراءها مجرد احتمال من بين احتمالات: وهي أ- استغلال ظروف الانتصار لإجراء تعديلات دستورية جديدة تسمح للرئيس بالاستمرار بطريقة أو أخرى، قد لا تخرج عن المسارات التالية: - تغيير النظام السياسي من رئاسي إلى برلماني - وضع دستور جديد لا يتضمن مواد مانعة من التمديد، سواء تم وضعه عن طريق استفتاء او جمعية تأسيسية - تعديلات جديدة على الدستور القائم سواء تم تمريرها عن طريق استفتاء أو عن طريق البرلمان الجديد بعد التخلص من مجلس الشيوخ. ب- أن لا يكون لهذه التعديلات أثر على التمديد للرئيس الحالي، نظرا لما سبق من قوة الموانع القانونية والسياسية خاصة مع المعطيات الجديدة التي أظهرت قوة المعارضة للتعديلات الماضية –ومن بينها شخصيات وازنة مقربة من النظام- ومن باب أحرى تعديلات أخرى ستسمح ببقاء الرئيس في السلطة. وكخلاصة: يمكن القول إن نجاح الرئيس في تمرير التعديلات الدستورية لن يكون في أحسن أحواله إلا انتصارا في محطة واحدة من بين معارك عديدة سيعرفها المشهد السياسي في البلد من هنا حتى تتضح الإجابات التي سينكشف عنها سؤال: ماذا بعد انتهاء مأمورية الرئيس الثانية صيف 2019؟ |