المركز ينظم ندوة عن التقرير الاستراتيجي |
نظم المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاسترايجية مساء أمس بفندق إيمان ندوة حول (التقرير الاستراتيجي لموريتانيا 2012 – 2013)، ناقش خلالها نخبة من الأكادميين والباحثين، والخبراء، والحقوقيين، والسياسيين، مضمون التقرير. ورغم الإجماع الحاصل على جودة التقرير وأهميته إلا أنه أبديت عليه مجموعة من الملاحظات ووجهت له انتقادات.
معضلتان واجهتا البلد: مدير المركز د.محمد محمود ولد الصديق في افتتاخه للندوة بين أن " تشخيص واقع موريتانيا منذ استقلالها يحيل تلقائيا إلى معضلتين رئيسيتين واجهت هذا البلد وما زالتا تُعرقل، وهما: "المشكلة السياسية" بتجلياتها، و"المشكلة التنموية" بشموليتها المفهومية: (الاقتصادية، والاجتماعية، والبشرية..). وأضاف ولد الصديق:"والحقُّ أن هاتين المشكلتين يعاني منهما جل ما يعرف اليوم بدول العالم الثالث، إلا أن موريتانيا للأسف - حسب ما تواترت عليه المؤشرات والتقارير الدولية– ما زالت تُصنف في أدنى سلم هذه الدول، بسبب التأخر في هذين الجانبين وما يتصل بهما.
بين الشرعية والمشروعية: من جانب آخر قدم د.ديدي ولد السالك رئيس (المركز المغاربي للدراسات الاستيراتيجية) تعليقاته على المحور السياسي في التقرير منبها على مجموعة من الملاحظات، قائلا إنه وقع في التقرير خلط بين مفهوم "الشرعية والمشروعية"، وأنه في تحليله لفشل شعار الرحيل أغفل غياب الحاضنة الاجتماعية الذي كان هو السبب الرئيس في فشله، وبين أن التقرير احتفى بالتعديلات الدستورية في حين أن المختص القانوني لا يمكن أن يحتفي بها لأنها لم تضف جديدا.
الموقف الملتبس من الربيع: الوزير السابق محمد فال ولد بلال أكد صحة ما ذهب إليه التقرير من أن موقف الدبلوماسية الموريتانية حول الربيع العربي شابه الغموض واللبس، مضيفا أن النظام احتفى في البداية بالربيع متشفيا في الحكام العجائز الذين أطاح بهم الربيع، مقدما نفسه على أنه كان سباقا في مجال الربيع العربي. لكنه لاحظ أن هذا الموقف الملتبس للنظام إنما ينطبق على غالبية الفترة التي درسها التقرير، ولا ينطبق عليها كلها، لأنه نهايتها أصبح فيها واضحا انحياز النظام ضد الربيع العربي.
ولد مؤمل: عملية تورين دفعتنا لتغيير عقيدتنا العسكرية: العقيد بالجيش الوطني البخاري ولد محمد مؤمل –في حديثه عن محور الأمن والدفاع- انتقد ضآلة الحجم المخصص لمحور "الدفاع والأمن" من التقرير، مضيفا أنه تمت أدلجته. وقال ولد محمد مؤمل: إن عملية "تورين" التي أدت لمقتل 12 من أفراد الجيش الوطني في العام 2008 جعلت الجيش يراجع إستراتيجيته، ويركيز أكثر على التكوين المعنوي. وأضاف ولد محمد مؤمل أن تردد الجنود الموريتانيين وخوفهم في هذه المواجهة أدى للخسائر التي خلفتها المعركة، معتبرا أن التكوين المعنوي كان له دوره فيما بعد ذلك. وأكد ولد محمد مؤمل أن الجيش استفاد في الطريقة التي يعمل بها العدو، من خلال اختيار تشكيلات عسكرية سريعة الحركة والانتشار، وهو ما مكن من القيام بعمليات نوعية أمنت الحدود الموريتانية.
في تفسير المفارقة بين ارتفاع النمو وهشاشة الوضع المعيشي: من جانبه الدكتور سعديوه ولد الركاد قدم عرضا مختصرا لما ورد في المحور الاقتصادي، مقدما ملاحظات تتعلق بغياب الموضوع البيئي عن التقرير وكذلك عدم الحديث عن معطيات عن القطاع غير المصنف وتوقف الدطتور الباحث سعدبوه عند الإجابة على سؤال يطرح كثيرا عن السر وراء التناقض بين أرقام النمو المرتفعة وتزايد هشاشة الوضع المعيشي قائلا إن من التفسيرات التي يمكن تقديمها لذلك: أن ارتفاع النمو تصاحبه عادة، وحتى مستوى محدد، عدم عدالة في التوزيع. كما أن طبيعة الإقتصاد الريعي تتناقض مع العدالة في التوزيع، حيث تضعف الهيكلة المجتمعية يفعل ضعف مساهمة القطاعات غير المصنفة،ومن ثم فإن ثمار النمو لن تتساقط في محيط الفقراء. وقدم الدكتور سعدبوه الركاد جملة مقاربات أهمها: توجيه عوائد الاستثمار إلى قطاعات الصحة والتعليم، بالإضافة إلى ضرورة تحفيز القطاع الخاص، وخلق قطاع صناعي وسيط بدل الاهتمام الطاغي بقطاع الصناعات الاستخراجية.
الحقوقي والاجتماعي بين التفسيرات الجاهزة والتحليل المركب: في المحور الاجتماعي والحقوقي ناقش الدكتور الحسن ولد بديدي التقرير مبديا ملاحظة أولية على كون التقرير انطلق في تفسيره لحجم الاحتجاجات من فرضية وجود أزمة، قائلا إن السبب قد يكون أيضا بسبب وجود أمل في الاحتجاج وفي إمكانية حل المشكلات المختلفة انطلاقا من الاحتجاج. كما عقب على الاحتجاجات الفئوية متسائلا هل هي حراك اجتماعي أم تزيد سياسي؟ آخذا على التقرير تركيزه في الملف الحقوقي على الجوانب السلبية وإغفاله للنقاط المضيئة، النقطة الأخيرة ستكون محل اعتراض في المقابل من طرف الأستاذ عبد الله ممدو با الذي قال في سياق مداخلته إن حديث التقرير عن مصادقة موريتانيا على اتفاقيات دولية لحقوق الإنسان باعتبار ذلك تعزيزا للملف الحقوقي يغفل حقيقة أن هذه الاتفاقيات لم تدرج رسميا في الترسانة القانونية للبلد، كونها لم تنشر في الجريدة الرسمية ومن ثم لا تشكل مرجعا قانونيا للقضاء. مداخلات حضور الندوة استمرت لساعات تعرضت لمختلف القضايا الحيوية التي أثارها التقرير: قضايا المظالم الفئوية والرق والهوية والأزمة السياسية والموضوع الاقتصادي وغيرها. المتحدثون الرئيسيون أجمعوا في تعقيباتهم على تميز التقرير وكونه جهدا متميزا، قد لا يمثل فعلا وجهة نظر أي من الفرقاء السياسيين، كونه يمثل وجهة نظر مركز دراسات مستقل. مدير المركز محمد محمود ولد الصديق عقب على مداخلات الحاضرين مؤكدا على أهميتها وعلى أن المركز سوف يأخذ بأهم هذه الملاحظات والتصويبات في لاحق تقاريره الاستراتيجية متعهدا بمزيد من الاستقلالية وبمزيد من الموضوعية. |