قراءة في كتاب "الطوارق.. من الهوية إلى القضية" |
* الباحث: إخليهن ولد الرجل
صدر في الثلث الأخير من السنة المنصرمة (2014) عن المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية درسةٌ حَمَلَتْ عنوان "الطوارق.. من الهوية إلى القضية" ، للكاتب الأستاذ: أكناتة ولد النقرة . وهو باحث واسع الاطلاع وكاتب متميز. تبلغ عدد صفحات الكتاب مع فهارسه ومراجعه 178 صفحة. ويسعى الكتاب إلى شرح وتحليل القضية الأزوادية بأبعادها المختلفة، وتوضيحِ علاقتها بالمجال الموريتاني، ويتألف من مقدمة وثلاثة فصول؛ تحت كل فصل منهما مجموعة مباحث، وخاتمة تتضمن مجموعة من الخلاصات والتوصيات، بالاضافة إلى تقديم لمدير المركز الدكتور محمد محمود ولد الصديق.
في الفصل الأول الذي جاء تحت عنوان "الطوارق: الهوية والانتماء" سعى الباحث إلى تحديد أصول شعب الطوارق وهويته، بالاضافة إلى رصد جوانب من حياته الاجتماعية والحركة الثقافية والعلمية التي ظهرت في مجاله الجغرافي. فأوضح أن الروايات التاريخية تختلف في تحديد أصل الطوارق إلى أربعة أقوال: بعضها يقول إن الطوارق من أصول صنهاجية عربية، وبعضها الآخر يرى أن الطوارق من أصول بربرية أمازيغية، ويرى آخرون أن الطوارق هم أحفاد لكرامنت، في حين يؤكد بعض السياسيين والمؤرخين الطوارق أن الطوارق هم الطوارق، لهم هويتهم الخاصة وانتماءهم الخاص، ولا ينتمون إلى أي من تلك الشعوب، ويرى هذا الاتجاه "أن الثابت الوحيد الذي يمكن التعويل عليه وفي ضوء استحالة الحسم العلمي في المسائل الانتروبولوجية هو انتماء الطوارق إلى الأمة الإسلامية وفضائها الثقافي والحضاري، وهو الإطار المرجعي الذي أسهم الطوارق جنبا إلى جنب مع إخوانهم من أبناء العرب والبربر والزنوج في بناء نسقه المعرفي والمادي"(ص49). وبعد استقلال جمهورية مالي - التي تضم أكبر عدد من الطوارق - بدأ ميلادُ القضية الأزوادية، بعد أن فَرَض عليهم الرئيس المالي (موديبو كيتا) ضرائب مجحفة، وعامَلَهم جنودُه بقسوة، فانتزعوا منهم مؤنَهم وأغراضهم وأثاثَ خِيَمِهم، فكانت انتفاضتُهم الأولى (انتفاضة 1963)، ثم انتفاضة 1990 التي شاركت فيها "حركات مسلحة عدة ضمت أجنحة عسكرية لأول مرة بعد ما ظل العمل السياسي السلمي الواجهة الأبرز لمعظم تلك الحركات" (ص101). ثم تلا ذلك انتفاضة 2011 التي كانت الأعنف والأكثر سخونة، والتي سيطرت فيها الحركات الطارقية والحركات الجهادية على الجنوب المالي، وطَرَدَت منه الجيشَ النظامي، قبل أن تتدخل فرنسا لتعيد الكفة لصالح الحكومة المالية. وفي فصل الثالث من الكتاب يسلط الباحث الضوء على "علاقة القضية الأزوادية بالمجال الموريتاني"، مفصلا في مجالات التواصل والتلاقي بين الإقليم الإزوادي والشعب الموريتاني والعلائق الاجتماعية والثقافية التي ربطت بينهما تاريخيا، ودور الهجرات العربية إلى أزواد في تعزيز تلك الوشائج وتقويتها، شارحا الموقف الرسمي الموريتاني من القضية الأزوادية عبر مختلف مراحلها. مؤكدا أنه "فضلا عن التجانس في الجغرافيا الطبيعية من حيث المكونات والمجال والتماثل حتى في بعض المسميات والمعالم، تتقاطع مكونات الجغرافيا البشرية هي الأخرى بين الشعبين في كل من موريتانيا وأزواد؛ حيث شكلت الروابط الاجتماعية من وشائج القربى والرحم إلى جانب العلائق الروحية والثقافية الوثيقة من وحدة المعتقد والمذهب ومناهج التلقي لوحة فريدة استمدت مادة تلوينها الرئيسية من تاريخ حافل بالتواصل ساهم فيه تداخل الحدود بين المجالين وعدمُ وجود حواجز طبيعية فاصلة إلى جانب ديناميكية المكونات البشرية التي شغلتها باستمرار"(ص151). أما فيما يتعلق بموقف النظام الموريتاني من القضية الأزوادية فيقول الباحث أن هذا الموقف، لم يكد "يَخرج عن السياق العام للمواقف التقليدية لدول الجوار المالي، والمجمعة على وجوب احترام الحدود والتركيبة الموروثة عن الحقبة الاستعمارية والنظر دوما بريبة وقلق إلى التطلعات المشروعة للمجموعات الإثنية المختلفة في الحصول على نصيبها العادل من السلطة والثروة واحترام خصوصيتها الثقافية والاجتماعية"(163). مؤكدا أن موقف الحكومة الموريتانية من التطورات الأخيرة في إقليم أزواد اتسم بالاتباك والمناورة(ص168). ويختم الباحث كتابه بمجموعة من الخلاصات والتوصيات، والقراءة الاستشرافية للقضية الأزوادية، في بعدها الذاتي، وفي علاقتها بموريتانيا. ويعد الكتاب أول إصدار موريتاني يتناول القضية الطارقية الأزوادية بأبعادها المختلفة؛ التاريخية والثقافية والسياسية. وهو مع ثراءه في المعلومات وإحكام منهجيته وبناءه الداخلي، وعمقه في التحليل، وقوة لغته وسلاسة أسلوبه وتراكيب جمله، إلا أنه نحى منحى التجريد فكان أشبه بدراسة في التاريخ منه بدراسة تتشابك مع أحداث الواقع وتتناولها بالسرد والتحليل، ومع ذلك فإنه لا يخول من بعض النظر الواقعي. وعلى كل فالكتاب في رأي من أعمق الدراسات الصادرة أخيرا عن القضية الأزوادية إن لم يكن هو أعمقها على الاطلاق. |