قراءة في كتاب: موريتانيا وقضية الصحراء.. من الحرب إلى الحياد: قراءة في الحصيلة والآفاق |
*بقلم/ محمد محمود ودادي(* ) أشكر المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية على دعوته للمشاركة في هذه الندوة، وأثمن عاليا جهوده للإسهام في تلبية حاجة الدارسين والمهتمين - بل الجمهور- في الوصول على مبتغاهم المعرفي في بلاد ما تزال في بداية طريقها إلىتوسيع حقول المعرفة، كما أثمّن مجهود مركز الجزيرة في اهتمامه بالمؤلَّف الموريتاني.
لقد قرأت هذا الكتاب المؤلف من 270 صفحة، وبابيْن وأربعةِ فصول وملحقات عديدة، وذلك بطريقة سريعة ومتقطعة، لكني خرجت بأنه إسهام في موضوعه، فهو عرض مكثَّف عن الصحراء الغربية وعلاقات كل من موريتانيا والمغرب بها، وكذلك الجزائر، إضافة إلى تطرقهلأحداث موريتانيا الداخلية، وخاصة النشأة، ومدى ارتباط ذلك بالموضوع، موظفا هنا أهم وثيقة موريتانية مكتوبة حتى الآن عن نشأة الدولة والمصاعب التي اعترضتها، وخاصة علاقاتها بالجيران والإقليم، ثم عن القضية الصحراوية والحرب التي اندلعت حولها، أعني: كتاب الرئيس الراحل المختار بن داداه: (موريتانيا على درب التحديات). وقد استطرد المؤلف محطات مهمة، منها أن الموقف المبدئي لموريتانيا كان رفْضَ التقسيم، لأنها تَعتبر الصحراءَ موريتانيةً، مثل الموقف المغربي منها تماما، لكن الرئيس المختار قبِل التقسيم، خضوعا لواقع ميزان القوة والضغوط الخارجية، ومنها العربية والإفريقيةوالأوروبية. وكما قال المؤلف، فإن التقسيم تم في التفاهم السري بين المختار والحسن، الذي تُوج باتفاق فاس سنة 1974، ثم تلته المرافعات أمام محكمة العدل الدولية سنة 1975، والتي كان يراد منها تثبيتُ الاعتراف بحق كل طرف أمام هيئة دولية؛ فقد قُبلت "المجموعة الموريتانية" ندًّا للدولة المغربية ذات الإدارة العريقة، وهي سابقة قانونية كرستها المحكمة الدولية، وبذلك حُسمت المطالبة بموريتانيا - وهو مكسب عظيم - حيث اعترف المغرب "بالمجموعة الموريتانية" وأن لها "صلات خاصة مع بعض قبائل وادي الذهب، (تيرس الغربية) مقابل اعتراف موريتانيا للمغرب بـ"علاقات مماثلة مع بعض قبائل الساقية الحمراء". وقد لاحظ المؤلف أن المحكمة حرصت على أن تقرير المصير المنصوص عليه في قرار الجمعية العامة هو الاستفتاء المباشر، بينما اعتبرت موريتانيا والمغرب أن تصويت المجلس الوطني الصحراوي (برلمان المستعمَرة) بالأغلبية لصالح اتفاقية مدريد، تقريرُ مصير، مثل الجمعيات الوطنية في المستعمرات السابقة التي أُعلن استقلالُها دون تنظيم استفتاء شعبي، ومنها موريتانيا، بينما ردتاپُوليزاريو بأن ذلك يتجاوز الحقيقة، لأن أعضاء برلمان الإقليم لم يكنوا حاضرينجميعا، بل ساندها بعضهم وحضروا إعلانَ الجمهورية الصحراوية في فبراير 1976،مؤكدة تشبثها بنص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 1514 حول تقرير المصير. وقد ضم الكتاب بين دفتيه معلومات كثيرة يحتاجها - بلا شك –القارئ، وإن كان القليل منها جديدا بالنسبة للمتتبع، كسير الحرب وخسائرِها، وملابساتِ انقلاب 1978 وما آلت إليه سياسة اللاسياسة بالنسبة للبلد عامة، ولقضية الصحراء، وعلاقات الحكم الجديد بأطرافها، بل بالعالم الخارجي كافة. ومن أمثلته على ذلك: "اتفاق الجزائر بين موريتانيا واپوليزاريو، في 5 أغشت 1979، والظروف الغامضة التي اكتنفت توقيعه، حيث كان إذعانا للجبهة التي فرضت انسحاب موريتانيا من تيرس الغربية - دون إخطار شركائها في اتفاق مدريد - في موعد رُتب له أن يكون سريا، لكن المغرب اطلع عليه، فبادر باحتلال تيرس الغربية. ولم يحقق الطرفان الموريتاني والصحراوي أي مكسب"؛ وهو ما كشف هشاشةبعض التسريباتإلىالصالونات (محل الحل والعقد للحكم الجديد) عن وجود "تفاهم سري يجعل الجبهة تترك تيرس الغربية بيد موريتانيا، وتتفرغ لمواجهة المغرب" ويصوغ "الصالونيون" في ذلك مقولة تريد تغطية واقع الكراهية آنذاك بين الطرفين "بأن حرب الصحراء لم تكن بين عدوين، وإنما صراع إخوة، سينتهي بالتصالح، وأن احتفاظ موريتانيا بجزء من الصحراء سيكون لصالح المجموعة؛ فالرابح في عرف البيظان أن من يُبقي على جزء من (لَمْدَنّه والماشية) بعد الغارة، يكون قد خدمالمجموعة كلَّها". وقد اعتمد الكاتب بالنسبة لمعظم معلوماتهعن الطرف الموريتانيعلى ما وجد بين يده منشورا من قِبل الدارسين الموريتانيين القلائل الذين تعرضوا للموضوع خلال الخمس عشرة سنة الماضية، وهو غير كاف، خاصة أن المعلومات متوفرة ولكنها تحتاج إلى التجميع والتدوين، فالكثيرون من شهود العيان ما يزالون على قيد الحياة. كما أهمل الكاتب مصدرا رئيسا للمعلومات هو ما نشر باللغات الأجنبية الأوربية، سواء من كتب أو دراسات أو مقالات، صادرة عن مراكز بحث، أو مؤسسات حكومية غربية، أو صحف ومجلات، وتلك ظاهرة تتكرر في المؤلَّف العربي في موريتانيا. لكن الكتاب ضم بين دفتيه وبتفصيل، وثائق الأمم المتحدة الخاصة بالنزاع، وعلى الخصوص، مشاريع التسوية المختلفة التي قدمتها لِأطراف النزاع والتي لم تراوح مكانها. وقد حاول المؤلِّف أن يكون متجردا وموضوعيا وهو ما لا يمكن التأكد من أنه سينجح فيه، نظرا للاصطفاف الذي ما يزال قائما بين جمهور المعنيين من الأطراف المختلفة، ولِأدلجة الخطاب السياسي والإعلامي، الذي يُضيّق كثيرا من هامش التجرد لدى أي كاتب، خاصة في موضوع كهذا. وقد تجلت تلك الصعوبة عندما حاول أن يقترح مشاريع حلول للخروج من الأزمة الحالية، حيث استخدم تارة عبارات تكاد تكون "وعظية" من قبيل"تغليب المصالح المشتركة، وإقامة المغرب العربي"بعد أن برهن - من خلال سرده للوقائع السياسية ووجهات نظر الأطراف المعنية- على استحالة ما يتمناه، لعمق الهوة بين الأطراف، ولرسوخ انعدام الثقة، مقترحا أن يُترك الأمر بيد الأمم المتحدة، وهو أمر غير واقعي أيضا، أمام فشلها الذريع في القضية. وعلى كل، فله السبق في هذه المحاولة التي ينبغي للدارسين التركيز عليها، لكن المسؤولية تبقى على عاتققادة الأطراف المعنية، وهم المغرب وپوليزاريو والجزائر، وموريتانيا الذين عليهم مقاربة جديدة للخروج من المأزق الذي تعيشه دولهم وتعيشه قضية الصحراء، حيث يرىد. ددود بن عبد الله: "أن على هذه الحكومات رفع اليد عن شعوبها بإدخال إصلاحات حقيقية، أو اكتمال ما تم حتى الآن، لتولد أنظمة حرة منبثقة عن إرادة الشعوب، التي ستعرف مصالحا،وأن تضع هذه الحكومات الصحراويين في ظروف من الحرية والشفافية، ليعبِّروا عن إرادتهم، سواء في الساقية الحمراء ووادي الذهب أو في مخيمات تندوف، وموريتانيا، أو في الشتات، وعندها سنكون على الطريق الصحيح لإيجاد حل نهائي للقضية" .لكن ذلك كله مرهون بقدرة الشعوب على فرض التغيير على حكامهاوتحقيق الحرية والعدالة والحكم الرشيد وإقامة دولة القانون. وقد يكون هذا جوهر أمل المؤلف في أن نجاح الربيع العربي سيساهم في ربط علاقات أخوة بين شعوب المغرب العربي، والإسهام في حل القضية الصحراوية. ورغم هبّة الثورة المضادة، فإننا على يقين من أن عصر الدكتاتورية والتسلط، والنهب والفساد، والاحتقار، مآله الزوال، وأن الشعوب العربية لا بد أن تصل إلى إقامة أنظمة تُدخل العرب العصر، الذي حُرموا من الدخول فيه طيلةما يناهز القرن، فسيصلون إلى إقامة أنظمة انتقالية تؤسس لأحكام ديمقراطية تحترم القانون، مما سيكونمفتاح حل الكثير من المعضلات ويضمن بقاء كياناتنا بل شعوبنا المهددة في كثير من مواطنها بالسقوط. ........
* كاتب صحفي، وزير سابق وسفير |