الآثار التضخمية للتجارة الخارجية على الأسعار في موريتانيا (2003-2012)

تنتهج موريتانيا منذ 22 ابريل من العام 1991 النظام الليبرالي بشكل رسمي، بموجب القانون رقم 09-91، ومن المعروف أن "الليبرالية الاقتصادية" تقوم بشكل أساسي على نظام السوق المفتوحة (تحرير الأسعار وحرية المنافسة)، ونتيجة لندرة المنتجات المحلية وخاصة الضرورية فإن البلد يستورد أغلب حاجياته من الخارج، فموريتانيا بطبيعته بلد صغير نام محدود الموارد لذا عليه تلبية حاجاته الأساسية التي يحتاجها في مختلف أوجه النشاط الاقتصادي عن طريق استيرادها من الخارج،

ولعدم كفاية عوائد الصادرات الموريتانية لتغطية فاتورة الواردات الناتجة عن التبادل الخارجي مما يؤدي إلى عجز في الميزان التجاري و يجعلها مرتبطة ارتباطا كليا بالخارج عن طريق المعاملات الاقتصادية وبشكل أخص التجارية منها، ومما سبق يتضح أن التجارة الدولية تحتل مكانة متميزة في هيكل الاقتصاد الموريتاني وفي النشاط الاقتصادي بشكل عام، وبالتالي فوضعية الميزان التجاري والتضخم يدخلان ضمن المحددات الرئيسية للأسعار الاستهلاكية في موريتانيا. درجة تأثيرهما وأهميتهما نحاول التعرض لهما من خلال هذه الإطلالة المختصرة.

من المهم التعرض بقليل من التفصيل لمفهوم التضخم و انعكاسه على المواطن العادي(المستهلك النهائي) في موريتانيا، فالأدبيات الاقتصادية تعرف التضخم بأنه الارتفاع المتزايد في أسعار السلع و الخدمات الاستهلاكية، ويقاس بما يعرف ب"معدل التضخم" الذي يعرف بدوره على أنه "معدل التغير في أسعار السلع و الخدمات الاستهلاكية" خلال فترة زمنية معينة دون تغير في خواص أو مواصفات السلع و الخدمات الاستهلاكية. معدل التغير المذكور يقاس بمعدل تغير آخر هو معدل التغير لمجموعة من السلع و الخدمات الاستهلاكية. يطلق علي تلك المجموعة"سلة المستهلك". وسلة المستهلك تختلف من اقتصاد إلى آخر حسب النمط الاستهلاكي للمواطنين في البلد. الحديث عن أسعار السلع و الخدمات الاستهلاكية دائما ما يرتبط بالقدرة الشرائية للفرد(المستهلك داخل الاقتصاد المحلي)، وهذه القدرة تقاس عادة بمتوسط دخل هذا الفرد خلال الفترة الزمنية المحددة.

استبيان الظواهر السالفة الذكر(التضخم، التجارة الخارجية) والعلاقة بينهما وأثرها على المستهلك الموريتاني سنحاوله  من خلال التقارير المختصة، التقرير الدوري  الذي يصدره المكتب الوطني للإحصاء بشكل دوري "المؤشر الموحد لأسعار الاستهلاك" وهو تقرير شهري و أداة تم وضعها لقياس تطور الاستهلاك لدى جميع الدول الأعضاء في المرصد الاقتصادي والإحصائي لإفريقيا جنوب الصحراء، ومجموعته المرجعية هي مجموعة الأسر القاطنة في الأحياء المختلفة لمدينة نواكشوط. و من خلاله يتم قياس التضخم، وكذا التقرير الفصلي عن التجارة الخارجية المتعلق بتفاصيل الصادرات ووجهتها و الواردات ومصدرها وتصدره نفس الجهة و التقارير الفصلية و السنوية التي يصدرها البنك المركزي عن ميزان المدفوعات و المعطيات الاقتصادية ذات الصلة الصادرة عن الإدارات و المنظمات المختصة.

سلة المستهلك و دورها الواضح في قياس معدل التضخم تستلزم منا التعرض بشكل مختصر لمحتوياتها بالنسبة للمستهلك الموريتاني وآليات قياسها. وهي حسب التقرير المختص المذكور سابقا والصادر عن المكتب الوطني للإحصاء تحتوى على 361 متغير (سلع وخدمات استهلاكية)تشمل 75 متغير متجانس و 286 غير متجانس. مقسمة حسب وظائفها إلى 12 وظيفة:

1-    المنتجات الغذائية و المشروبات غير الكحولية

2-    التبغ و المنشطات

3-    الملابس و الأحذية

4-    السكن الماء، الغاز، الكهرباء، ومحروقات أخرى

5-    الأثاث، مقتنيات الأسرة و الصيانة الجارية للمنزل

6-    الصحة

7-    النقل

8-    الاتصالات

9-    الترفيه

10-                      التعليم

11-                      المطاعم و الفنادق

12-                      السلع و الخدمات الأخرى

تأخذ أسعار هذه السلع و الخدمات من 465 نقطة بيع رئيسية في الأحياء المختلفة لمدينة نواكشوط حسب التقسيم التالي:

المنطقة1: مقاطعة تيارت و لكصر

المنطقة 2: مقاطعة تفرغ زينة

المنطقة 3: مقاطعتي: السبخة و الميناء

المنطقة 4: المقاطعات: عرفات، دار النعيم، الرياض، توجنين.

وتشهد سلة المستهلك عملية تطوير مستمرة بما يعكس التطور في النمط الاستهلاكي للمستهلك في موريتانيا من خلال تطوير السلع و الخدمات الاستهلاكية المشمولة في السلة و إعادة حساباتها التاريخية لتقديم أرقام إحصائية متناسقة. فالسلسلة الزمنية للمؤشر العام لأسعار الاستهلاك للسكان خلال العقد الأخير شهدت تغييرا في الأساس من (الأساس =100 =1985) إلى (الأساس =100= ابريل 2002- مارس 2003). كما أنها شهدت زيادة في التقسيمات الوظيفية للسلع والخدمات الاستهلاكية لترتفع من 10 إلى 12 وظيفة.

سلسلة المؤشر العام  لأسعار الاستهلاك توضح أنه قد أرتفع من  114,1 نقطة (2004)  مرورا بـ 127,9 نقطة(2005) التي شهدت أعلى نسبة تضخم 12,1%، وبـ160 نقطة (2009) التي شهدت أدني نسبة تضخم 2,2%، وصولا إلى 188,5 نقطة (2012)، فيما وصل نفس المؤشر في أغسطس 2013 إلى 198,4 نقطة، تغير معدل تضخم  خلال 12 شهرا وصل إلى 3,8%(أغسطس 2013).

الأدبيات الاقتصادية  تقول أن تكلفة المعيشة تتناسب طرديا مع معدل تضخم ،إلا أنه في الحالة الموريتانية غالبا الأسعار في تصاعد وانخفاض نسبة التضخم كل ما تفعله حسب المشاهدات المسجلة أنها تعيق ارتفاع  المؤشر وتجبره على التزايد بأقل النقاط، ففي العام 2005 التي شهدت أعلى نسبة تضخم واصل المتوسط السنوي لمؤشر الأسعار ارتفاعه بقيمة أكبر من سابق عهده . بينما زيادته في العام 2009 الذي شهد أقل نسبة تضخم خلال العقد كانت قليلة مقارنة بما سبق و لحق من المشاهدات السنوية.

أعلى نسبة تضخم في هذا العقد كانت في العام 2005،  التبادل التجاري لموريتانيا مع الخارج في هذه السنة واصل الارتفاع ليستقر عند 504,4 مليار أوقية، نسبة الارتفاع مقارنة ب 2004 وصلت إلى 10%. الجدير بالذكر أن ارتفاع كبير سجل على مستوى الميزان التجاري في العام 2004  وصلت نسبته إلى 146,1% مقارنة بالعام السابق، في حين أن الزيادة في الصادرات لم تتجاوز 32,7%، بينما نسبة التغير على مستوى الواردات وصلت إلى 240%. أما بخصوص معدل التضخم في 2004 فقد قفز من 5,29% في العام 2003 ليصل إلى 10,42% في العام 2004،  المؤشر العام لأسعار الاستهلاك أرتفع من  103,3 في العام 2003 مرورا بـ  114,1 (2004) إلى 127,9 (2005)، و من الواضح أن التطورات الملحوظة في التجارة الخارجية والمتمثلة في الارتفاع الكبير الحاصل على مستوى الوردات وخاصة قفزتها خلال 2003 تزامنت مع ارتفاع قوي للتضخم أيضا.

في العام 2009 الذي شهد أدنى نسبة تضخم في العقد الأخير سجل الميزان التجاري بدوره عجز بلغ

 (-108,4  مليون دولار) أي أقل من العجز المسجل بالنسبة للعام 2008(-123,3 مليون دولار أمريكي). في حين أن المؤشر العام لأسعار الاستهلاك ارتفع ارتفاعا طفيفا لم يتجاوز 3,4 نقاط، حيث كان 2008 عند المستوى 156,5 نقاط بينما لم يتجاوز في 2009 حاجز 159,9  نقاط. وهو تطور طفيف للمؤشر مقارنة بالتطورات المسجلة في الأعوام السابقة و حتى التالية. ففي العام 2006  كان عند حاجز 135,6 نقطة، أما في 2007 فتجاوزه إلى 145,8 نقاط. بينما في العامين المواليين 2010 و 2011 على التوالي ارتفع إلى: 170 و 179,6.

 في العامين الموالين 2010 و 2011 شهد الميزان التجاري فائضا بلغ على التوالي 138,2 مليون دولار أمريكي و 276,5 مليون دولار أمريكي. أما عن نسب التضخم في العامين على التوالي 6,3%، 5,7% .

المشاهدات هذه تدعمها بعض المؤشرات الأخرى التي تستوضح مدى ارتباط الاقتصاديات الوطنية بالاقتصاد العالمي و التي نورد منها في هذه الإطلالة السريعة لا للحصر : 

 نسبة التجارة (أو درجة الانكشاف(الانفتاح) الاقتصادي): التي تعكس مدى انفتاح الاقتصاد الموريتاني على الاقتصاد الدولي، وبالتالي مدى تأثير السياسات الخارجية على الاقتصاد الموريتاني، وقدرته على رسم سياسات اقتصادية مستقلة نسبيا عن التطورات الخارجية وتقاس هذه النسبة باستخدام المؤشر التالي:الصادرات +الواردات/الناتج المحلي الإجمالي= T

كلما كانت هذه النسبة مرتفعة كلما زاد تأثير الارتفاع  في أسعار المستوردات على الأسعار المحلية، وزادت حساسية الاقتصاد المتخلف لاستيراد التضخم

وتظهر البيانات أن حركة معدل الانفتاح الاقتصادي غالبا ما تتناسب طرديا مع معدل التضخم في الحالة الموريتانية طيلة العقد الأخير. فبعد أن كانت عند بداية السلسلة في العام 2003 لا تتجاوز 55,28%، قفزت مع القفزة المسجلة على مستوى التضخم إلى 115,92% في العام 2004. بينما لوحظ أنه في العام 2008 بعد أن كانت وصلت إلى 105,25% تراجعت في العام 2009 مع تراجع معدل التضخم إلى أن استقرت على 91,91% لتواصل في السنوات الثلاثة الأخيرة ارتفاعها حيث سجلت في العام 2012 نسبة مرتفعة بلغت 142,87% . مما يدل على التزايد في التبعية الاقتصادية، وكذا أهمية الوردات في تحديد مستوى السعر المحلي، مما يجعل الاقتصاد الموريتاني ضعيفا أمام التقلبات الدولية لأنه يتأثر بالأسعار الدولية، في حين أنه لا يستطيع التأثير فيها.

حالة الانفتاح الاقتصادي الكبير تؤدي مع الوقت إلى انعكاسات سلبية على الوضع الاقتصادي و تطوراته بحيث يجعل الاقتصاد الموريتاني شديد الحساسية إزاء التقلبات و الأزمات الاقتصادية الدولية، وسريع التأثر بالسياسات الملازمة لهذه التقلبات من النواحي النقدية و السلعية.

يقودنا الحديث عن المستوى العام لأسعار الاستهلاك و درجة الانفتاح الاقتصادي إلى النظر في تطور مراتب الشركاء التجاريين لموريتانيا. حيث تشير التقارير إلى أن المورد الرئيسي مثلا لموريتانيا 2005 كانت المملكة المتحدة ب 80,8 مليار أوقية ثم فرنسا بـ10,8 مليار. العجز الكبير المسجل مع المملكة المتحدة يرجع إلى الزيادة الكبيرة في واردات السلع التجهيزية(البترولية خاصة)، التبادل التجاري في هذا العام أغلبه كان مع أوربا بنسبة 39,2% من مجموع تبادل موريتانيا مع الخارج، هذا التبادل سجل عجزا وصل إلى 43 مليار أوقية. التبادل التجاري مع الأمريكيتين سجل عجزا كبيرا بفعل الوردات المرتفعة من الولايات المتحدة، اليابان و الصين واصلتا السيطرة على تعاملات موريتانيا مع آسيا في العام 2005، بفائض مع اليابان(14 مليار أوقية)، لبنان(41 مليار أوقية)، الرصيد التجاري الكلي للتعامل مع آسيا كان موجبا حيث وصل إلى مستوى 170 مليار أوقية.

إفريقيا الوجهة الأضعف للتبادل ، 2005 سُجل فائض مع نيجيريا(2,6 مليار أوقية)، الجزائر(2,3مليار أوقية)، مع تطور في التبادل وتسجيل عجوزات مع كلا من:  مصر  والسنغال ،المغرب ، جنوب إفريقيا، تونس. 

مجموع الوردات الموريتانية من الخارج وصلت إلى 356,7 مليار أوقية، بزيادة 3% مقارنة ب2004.

رصيد الميزان التجاري 2005 سجل عجز وصل إلى 209 مليار أوقية،  نسبة تغطية الصادرات للواردات لم تتجاوز 41,4% بفارق 9 نقاط مئوية عن العام السابق. نسبة التغطية هذه شهدت انخفاضا قويا ففي العامين 2003، 2004 كانت النسب المسجلة على التوالي هي: 83%، 32%.

الميزان التجاري الموريتاني سجل عجزا في الفصل الأخير من العام 2012، قيمة العجز وصلت إلى 37,72 مليار أوقية، بنسبة تغطية الصادرات للواردات بلغت 83%.

الدول الأوربية هي المورد الرئيسي لموريتانيا في العام 2012 بنسبة 51,7% من مجموع الواردات، بينما الدول الآسيوية هي الوجهة الرئيسية للصادرات الموريتانية بنسبة 65,5% من مجموع الصادرات. منطقة الشرق الأوسط تورد لموريتانيا أساسا المواد البترولية، بينما نصيب إفريقيا من التبادل التجاري الموريتاني بقي ضعيفا، فخلال الفصل الأخير من العام 2012، هذه المنطقة مثلت وارداتها لموريتانيا وصادراتها منها على التوالي 6,5% و 0,6%.

تدعونا هذه القراءة الشمولية لتطورات المؤشر  العام لأسعار الاستهلاك وبنود سلة المستهلك ودرجة الانفتاح الاقتصادي  وانعكاساتها على معدل التضخم والعلاقة مع الواردات، إلى النظر بنوع من عدم  التفاؤل إلى الجمود الحاصل في عدم تنويع قنوات الواردات بما يعرقل الاستدامة في تدفقات السلع والبضائع إلى السوق الموريتانية. نظرة عدم الرضا هذه  من الأهمية التأكيد على معالجتها من خلال استمرار الجهات الحكومية ذات العلاقة بتوطيد علاقات شراكة جديدة وترسيخها، بما يحقق تساويا في معدل الواردات الموريتانية من شركاء تجاريين سواء قائمين أو مستهدفين.

قائمة المراجع:

المكتب الوطني للإحصاء: المؤشر الموحد لأسعار الاستهلاك أغسطس 2013

البنك المركزي الموريتاني: التقرير السنوي 2012

  البنك المركزي الموريتاني: النشرة الإحصائية الفصلية، الفصل الرابع 2012

  البنك المركزي الموريتاني: النشرة الإحصائية الفصلية، الفصل الرابع 2011

حسابات الباحث.

ICC : guide De L’investissement En Mauritanie Opportunités ET Condition ; Mars 2004

ONS : Rapport sur la Révision des Données Economiques 1992-2004

ONS : Annuaire statistique 1995-2005

ONS : Note Sur Le Commerce Extérieur en 2005

ONS : Indice Harmonise Des Prix à La Consommation Février 2009

ONS   : Annuaire statistique 2011

ONS : Note Trimestrielle Du Commerce Extérieur De La Mauritanie 4émé Trimestre 2012.

الهادي ولد أبوه

* باحث في المركز الموريتاني للدراسات و البحوث الإستراتيجية

 

 

 

البحث

آخر الإصدارات

إعلان

المركز على الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox

وحدات المركز

وحدات